دراسة: الأطفال الصُم يتعلمون الكلام بمعدل أسرع من الأطفال الأصحاء

لسنوات عديدة ظل العلماء يسعون سعياً جاداً لإيجاد الحل المثالي الذي يصلح بديلاً للأذن الداخلية التالفة أو ناقصة التكوين، حتى توصلوا إلى أجهزة القوقعة الاصطناعية، وهي أجهزة دقيقة تُزرع بداخل الأذن لكي تتلقى الأصوات المتنوعة، ثم تقوم بتحويلها إلى محفزات كهربائية تنتقل في شكل نبضات عبر العصب السمعي للطفل، مما يُمكن الأطفال الذين يعانون من ضعف السمع من أن يتواصلوا مع العالم الخارجي بشكل جيد.

دراسة الأطفال الصُم يتعلمون الكلام بمعدل أسرع من الأطفال الأصحاء

لقد كان من المُعتقد حتى وقت قريب أن هؤلاء الأطفال يصلون إلى نفس المستوى اللغوي الذي يصل إليه أقرانهم من الأطفال الطبيعيين، ولكنهم يصلون متأخرين عنهم بوقت طويل.

وقد أظهرت الدراسات السابقة أنه من اللحظة التي يتم فيها زرع جهاز القوقعة الاصطناعية، فإن الأطفال يستغرقون وقتاً طويل كي يتمكنوا من تعلم لغتهم الأم، و التمييز بينها و بين اللغات الأخرى، كما أن قدراتهم الذهنية التي تؤهلهم للالتحاق بالمدرسة تكون متأخرة أيضاً، على الرغم من أن نموهم الجسدي يكون طبيعياً.

أما الآن! فقد كشفت دراسة حديثة تبناها “معهد ماكس بلانك للعلوم المعرفية و دراسات الدماغ البشري”، والباحثون في “المركز الطبي الجامعي” شيئاً مختلفاً، حيث صرّح نيكي فافاتزانيديس -المؤلف الرئيسي للدراسة- أنه عندما يتم زراعة جهاز القوقعة الاصطناعية للأطفال الصُم، فإنهم يكونون أكثر قابلية لتعلم الكلمات الجديدة بشكل أسرع.

وعادة ما يحتاج الأطفال إلى أربعة عشر شهراً لكي يتمكنوا من تسمية الأشياء المعروفة بأسمائها الصحيحة بشكل موثوق ، أما الأطفال الذين زرعوا قوقعة اصطناعية فقد كانوا قادرين على القيام بذلك بعد اثني عشر شهراً فقط من إتمام عملية الزرع.

إن السبب وراء تفسير تلك النتائج قد يكون في أن الأطفال الذين يملكون أجهزة القوقعة الاصطناعية يتعرضون لأول مرة لسماع الأصوات و الكلمات المختلفة وهُم في سن أكبر، بينما الأطفال الطبيعيين يسمعون لغتهم الأم بإيقاعاتها المختلفة منذ اللحظة التي يولدون فيها، أو حتى منذ أن كانوا أجنة في أرحام أمهاتهم. وتحدث أول عملية اتصال بين الأطفال الصم و اللغة الأم الخاصة بهم غالباً في سن يتراوح من عام إلى أربعة أعوام -وهو السن الذي تتم فيه عملية الزرع-، وبالتالي يكونون أكثر نمواً و تكون مراكز فهم واستيعاب اللغات بداخل أدمغتهم أكثر نضوجاً.

يقول فافاتزانيديس: “إن الأمر لا يعتمد فقط علي مجرد الذاكرة، بل يعتمد أيضاً على المعرفة الواسعة التي تُحيط بالطفل في ذلك السن، فيكون قادراً على معرفة الكثير من الأشياء في بيئته، كما تتراكم لديه العديد من الإشارات الدلالية الغير لغوية”.

و يضيف: “على سبيل المثال، يكون الأطفال مُدركين بالفعل أن بعض الأشياء المحيطة بهم -مثل الكؤوس أو وجبات الطعام- يمكن أن تكون ساخنة، وأن الحرارة يمكن أن تكون شيئا ضاراً، وذلك مع عدم معرفتهم لكلمة (ساخنة)”.

وقد قام علماء الأعصاب خلال تلك الدراسة بفحص 32 طفلاً ممن خضعوا لزرع قوقعة الأذن في كلا الأذنين، حيث تمت متابعة قدرتهم  على التعرف على الكلمات و الأشياء المحيطة بهم بشكل دوري، وذلك بعد مرور 12، 18، 24 شهراً على إتمام عملية الزرع.
وبالتوازي مع ذلك، قام العلماء بتحليل أنشطة الدماغ المصاحبة للحظة التعرف على بعض تلك الأشياء باستخدام تخطيط كهربي للدماغ (EEG)، وأدى ذلك إلى اكتشافهم ظهور تأثير مميز في التخطيط الدماغي يُعرف باسم N400 كلما تمكن الطفل من تسجيل كلمة صحيحة، مما يعني أنه قد أنشأ اتصالاً مستقراً بين الأشياء وأسمائها. لقد تعلم الكلمة بنجاح! .

ويشير الباحثون إلى أنه ينبغي أن تركز الدراسات القادمة على معرفة السبب وراء تأخر بعض الأطفال الصم في التعلم و إدراك البيئة المحيطة بهم بعد إتمام عملية زرع القوقعة، وذلك على الرغم من تلك النتائج التي تفيد تفوقهم و سرعة تعلمهم، حيث أن بعض أولئك الأطفال المتضررين يكافحون -دون سبب معلوم- للوصول إلى نفس مستويات أقرانهم الأصحاء.

دكتور أحمد الحسيني

طبيب متخصص في مجال طب وجراحة العيون- مستشفيات جامعة المنصورة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى