الزهراوي مؤسس علم الجراحة
أبو القاسم خلف بن عباس الزهراوي هو طبيب عربي مسلم عاش في الأندلس. يعد أعظم الجراحين الذين ظهروا في العالم الإسلامي، ووصفه الكثيرون بأبو الجراحة الحديثة, معروف في العالم الغربي باسم Albucasis, وكانت مؤلفاته الجراحية هي المرجع الأول للأطباء العرب والأوروبيين ولعدة مئات من السنين، وابتكاراته الجراحية رفعت من شأن هذا الاختصاص، في وقت كانت فيه أوروبا تخضع لقرارات الكنيسة التي تُحرِّم تدريس الجراحة في مدارس الطب، وتصف الأطباء الذين يمارسونها بأنهم حقيرون وغير شرفاء، ولهذا أجمع مؤرخوا الطب العربي من الأوروبيين بأن للعرب وحدهم وعلى رأسهم الزهراوي الفضل الأول في تطور الجراحة بمفهومها الجديد.
فقد تُرجمت موسوعته “التصريف لمن عجز عن التأليف” إلى كثير من لغات العالم وكان المصدر الأساسي للمعرفة الطبية بأوروبا وحلَ كتاب الزهراوي في الجراحة محلَ كتابات القدماء، وظل المرجع في الجراحة حتى القرن السادس عشر ولا يزال هناك 40 نسخة مخطوطة من هذه الموسوعة الخالدة.
اقتفى أثره الجراحون مثل الفرنسي الشهير GUY DE) CHAULIAC عام 1363 م) الذي استشهد به أكثر من 200 مرة بكتابه، كذلك فعل العالم “PARE “، والبعض نسب بعض الأعمال لنفسه مثل نقولا السالزني، كلّ هذا جعل المؤرخ الشهير ماكس مايرهوف يقول في كتابه “تراث الإسلام”: إن مؤلفات الزهراوي الجراحية وضعت أسس الجراحة في أوروبا والعالم”وتخليداً لأعماله وضعت صورته الملونة على الزجاج القديم في كاتدرائية ميلانو الشهيرة. وفي مدينة قرطبة الإسبانية شارع يخلِّد اسمه.
أهم انجزاته:
- كتابه «التصريف لمن عجز عن التأليف» وهو من ثلاثين مجلد من الممارسات الطبية جمع فيه العلوم الطبية والصيدلانية في زمانه، والذي غطى نطاق واسع من الموضوعات الطبية منها طب الأسنان والولادة التي جمع معلوماته على مدى 50 عامًا من ممارسته للطب، واحتوي على وصف تشريحي وتصنيف لأعراض حوالي 325 مرض وعلاجاتها، والجوانب الطبية المتعلقة بالجراحة والجراحات التجبيرية والصيدلة وغيرها، إلا أن محتواه الأبرز كان في الجراحة.
- يعتبر الزهراوي أول من أسَّس علم الجراحة بعدما وضع له منهجاً علمياً صارماً لممارسته العملية يعتمد بشكل أساسي على معرفة دقيقة بعلم التشريح كتابه, وصنع الزهراوي العديد من الالات الجراحية بنفسه ووصفها في كتابه ورسمها، وحدد طريقة استعمالها واستخدامها الغرب وترجم وصفها واستعمالها وبعض منها لا تزال مستخدمة إلى اليوم, وإليه يعود اختراع منظار المهبل المستخدم حالياً في الفحص النسائي، كذلك رسم صوراً للحقن المعدنية التي استعملها لإدخال الأدوية إلى المثانة، وأجهزة الاستنشاق، وجبائر الأذرع، وملاعق خاصة لخفض اللسان وفحص الفم، كما ابتكر مقاشط وكلاليب خاصة مع الشروحات اللازمة لمكان وطرق استخدامها. (وتبلغ 250 صورة)
- أول من أدخل استخدام الخيوط المصنعة من أمعاء القط لخياطة الأنسجة الداخلية لمرضى الجراحات، وحتى اليوم تبدو أمعاء القط هي أنسب الحلول لكونها من مادة عضوية يتقبلها الجسم البشري بلا مشاكل.
- ذكر الزهراوي طرق التخدير التي استعملها في عملياته الجراحية، وذلك بواسطة الإسفنجة المخدرة، ومن المواد التي استخدمها (الحشيش، الزؤان، نبتة ست الحسن)
- ذكر طرق التعقيم للأدوات الجراحية وتطهير الجروح والضمادات بطرق لا تختلف أبداً عن مبادئ الطب الحديث.
- عرف وشخص السرطان, ووصف طرق استئصال الثدي المصاب بالسرطان عند المرأة وشدَّد على ضرورة كي حواف الجرح منعاً لنكس الورم، وقيل أن الطريقة الجراحية التي استعملها يمكن وضعها بأي مرجع حديث.
- أول من شرح مرض نزف الدم المسمى “هيموفيليا” وشرح كيفية انتقاله وراثياً.
- وفي علم المسالك البولية تتجلَّى عبقرية الزهراوي، فهو أول من ابتكر القسطرة البولية واستعملها لتصريف البول أو لغسل المثانة أو لإدخال بعض العلاجات الموضعية بداخلها، ويبدع بوصف عمليات استئصال حصيات المثانة جراحياً أو تفتيتها بآلات خاصة رسمها في موسوعته، كما يصف عمليات استخراج حصيات مجرى البول عند الذكور، والشقوق الجراحية داخل المهبل لاستئصال حصيات المثانة والإحليل عند النساء.
- أول من وصف وضعية ترندلنبورغ في العمليات الجراحية والتي نسبت إلى هذا العالم بلا حق إذ أنَّ الزهراوي سبقه بنحو 800 سنة وما كتبه الزهراوي في التوليد والجراحة النسائية يعتبر كنزاً ثميناً في علم الطب، حيث يصف وضعيتي ( TRENDELENBURE – WALCHER ), إضافة إلى وصف طرق التوليد واختلاطاته، وطرق تدبير الولادات العسيرة، وكيفية إخراج المشيمة الملتصقة والحمل خارج الرحم وطرق علاج الإجهاض وابتكر آلة خاصة لاستخراج الجنين الميت، وسبق د. فالشر بنحو 900 سنة في وصف ومعالجة الولادة الحوضية، وهو أول من استعمل آلات خاصة لتوسيع عنق الرحم، وأول من ابتكر آلة خاصة للفحص النسائي لا تزال إلى يومنا هذا.
- أول من أدخل القطن في الاستعمال الطبي.
- أول من استعمل الخياطة التجميلية تحت الجلد، وأول من استعمل الخياطة بإبرتين وخيط واحد، وأول من ابتكر الخياطة المثمنة، وهذه أمور هامة جداً في فن الجراحة
- إضافات هامة جداً في علم طب الأسنان وجراحة الفكين، وأفرد لهذا الاختصاص فصلاً خاصاً به، شرح كيفية قلع الأسنان بلطف وأسباب كسور الفك أثناء القلع وطرق استخراج جذور الأضراس، وطرق تنظيف الأسنان وعلاج كسور الفكين والأضراس النابتة في غير مكانها، وبرع في تقويم الأسنان حيث استعمل خيوطاً من الذهب والفضة.
- شرح الزهراوي كيفية قطع الإصبع الزائدة وشق التحام الأصابع، كما وصف عملية بتر فلكة الركبة، وعملية كيس الماء في الخصية والفتوق الجراحية، وأبحاث في جراحة العين والأذن، حيث اخترع آلة لمعالجة الناسور الدمعي، وكيفية خياطة جروح القصبة،كما شرح بشكل مفصّل العلاج الجراحي للثدي المتضخم عند الذكور.
- أول من استدرك ضرورة ربط الشرايين قبل عمليات البتر أو خلال العمليات الجراحية منعاً لحدوث النزف، وسبق امبرواباري الذي ادعاه لنفسه بنحو 600 سنة.
- أول من أجرى عملية شق الرغامى (القصبة الهوائية)
- في الجراحة العظمية له العديد من المآثر العلمية التي لا يزال جزء منها يتَّبع حتى الآن، ومنها: معالجة انتشار داء السِّل إلى الفقرات أو ما يتعارف عليه الأطباء اليوم بداء بوت نسبة إلى د. بوت، وكان الزهراوي قد سبقه إلى اكتشافه وعلاجه بنحو 700 سنة، كما وصف أربعة طرق لرد خلع مفصل الكتف ومنها الطريقة المعروفة اليوم باسم “KOCHER “، بالإضافة إلى العديد من طرق العمل الجراحي بهذا المجال.
- أول من كتب عن علاج عاهات الفم الخلقية وتشوهات الأقواس السنية وعلاج القطع اللحمية الزائدة في اللثة، وأول من استعمل آلة خاصة لاستئصال الثآليل النابتة في الأنف ولقطع الرباط تحت اللسان الذي يعيق الكلام وقطع ورم اللهاة واستئصال اللوزات وعلاج الضفدع المتولد تحت اللسان، كل هذا مع الشرح المفصل إضافة إلى الصور التي تشرح كيفية إجراء العمليات مع رسوم لكل الأدوات الجراحية الضرورية لكل عملية، إضافة إلى الأدوية التي توقف النزف بحال حدوثه، وهذا ما جعل العالم الأمريكي المؤرخ في طب الأسنان (ABSELL) أن يعتبر الزهراوي من أشهر أطباء الأسنان وجراحة الفكين في القرن العشرين.
- لأول مرة في تاريخ الطب والصيدلة يقدم الزهراوي قبل ألف عام وصفاً دقيقاً لكيفية صنع حبوب الدواء وطريقة صنع القالب الذي تطبع فيه أو تحضر بواسطته أقراص الدواء، فيقول: “… على لوح من الأبنوس أو العاج يُعدُّ ثم يُنشر إلى نصفين طولاً، ثم يُحفر في كلِّ وجه قدر نصف القرص ( نظراً للحاجة الطبية أحياناً لاستعمال نصف القرص)، ثم يُنقش على قعر أحد الوجهين اسم القرص المراد صنعه مطبوعاً بشكل مقابل للأنعكاس، ليكون النقش مقروءاً عند خروج الأقراص..”، يلاحظ وبلا ريب بأنه هو المؤسس والرائد الأول لصناعة الطبابة وصناعة أقراص الدواء، ولكن هذا الحق الحضاري اغتصب منه.
- أول رائد للطباعة، فأبدع في هذه الصناعة الحضارية قبل غوتنبر الألماني الذي يُنسب إليه هذا الإبداع.
- عارض الزهراوي في كتابه رأي القدماء في قولهم بأن الكي لا يصلح إلا في فصل الربيع، وقال بأنه صالح طوال العام. وعارض أيضًا رأيهم بأن الذهب الأفضل للكي، حيث قال بأنه يفضل استخدام الحديد كونه أنجح من الذهب في تلك الممارسة. وفي حديثه عن كي ذات الجنب، ذكر الزهراوي خطأ القدماء في الكي بالحديد المُحمّى حتى الاحمرار للوصول إلى الخراج وانتزاعه، قائلاً بأن ذلك خطير وقد يؤدي للوفاة أو أن الخراج قد يعود للظهور في نفس المكان.