لماذا يعاني بعض الناس دون غيرهم من حبوب الشباب؟
على الرغم من حقيقة أن ما يصل إلى 80% من الأشخاص فوق سطح هذا الكوكب سوف يواجهون ذلك الكابوس المُسمى “حب الشباب” خلال مرحلة ما من حياتهم، إلا أن العلماء مازالوا لا يفهمون حقاً ما هي أسباب هذه الحالة، والأهم من ذلك فإنهم يجهلون كيفية وقفها.
ولكن لعلنا في الوقت الحالي نكون قد اقتربنا كثيراً من فهم الظروف والأسباب التي تؤدي إلى حب الشباب؛ فقد أفادت دراسة علمية نشرت في مجلة “Science Inflammation” أن السبب وراء تلك الحالة ربما يكمن في بكتيريا الجلد التي تعيش بصورة طبيعية فوق سطحه، حيث توصل العلماء لسبب إصابة البعض بالتهابات جلدية نتيجة هذه البكتيريا دون البعض الآخر.
إن هذا الاكتشاف قد يقودنا إلى التوصل لعلاج جذري لحب الشباب في غضون عامين، حيث أن العلاجات التي يستخدمها الأطباء في الوقت الحالي قد تؤدي إلى آثار سلبية خطيرة، كما أنها لا تمتلك الفاعلية الكافية لوقف حب الشباب، وفي بعض الحالات قد لا تعمل تلك الأدوية على الإطلاق:
ومن أمثلة الأدوية المستخدمة حالياً: المضادات الحيوية، أو منظمات الهرمونات (مثل حبوب منع الحمل)، أو الإيزوريتينوين (isoretinoin).
لقد مرت سنوات عديدة من دون أن يتوصل الطب إلى علاج جديد لـ “حب الشباب”، لذلك فإن فكرة إضافة علاج جديد لهذه الحالة قد طال انتظارها.
لقد ركزت الدراسة الجديدة على حقيقة أن كل بشرة الجسم مغطاة طوال الوقت وبشكل كامل بالبكتيريا، فهي تمثل خط الدفاع الأول ضد الجراثيم العالقة بالهواء.،
ولكن على الرغم من تشابه جميع البشر في وجود هذا الغطاء البكتيري، إلا أن بعضهم لم يعانِ أبداً من ظهور حب الشباب على بشرته، بينما لا يستطيع البعض الآخر التخلص منه برغم محاولاته العديدة في هذا الشأن.
يقول كبير الباحثين بجامعة كاليفورنيا (ريتشارد جالو): “إن بكتيريا البشرة لهي لغز كبير؛ إننا نتعايش معها في سلام، ولكن تأتي علينا أوقات معينة ينهار فيها ذلك السلام ونجد أنها قد أصابتنا بالعدوى!”.
أما الآن -وللمرة الأولى- فإن الفريق البحثي يعتقد أنه قد توصل إلى الأسباب التي تقف وراء اختلاف طبيعة بكتيريا الجلد.
لقد أظهر جالو وزملاؤه أن هناك بكتيريا غير ضارة عادةً ما تعيش على بشرتنا، تبدأ في إحداث الالتهابات الجلدية عندما تجد نفسها محاصرةً في ظروف لا-هوائية، مثل البكتيريا التي تعيش بداخل بصيلات الشعر.
ولكن السؤال الآن هو أننا جميعاً نمتلك بصيلات شعر، فلماذا لا يظهر حب الشباب لدينا جميعاً؟ … قد تكون الإجابة في أن بصيلات الشعر لدى البشر تتفاوت في درجة اختناقها، ولذلك فقد تتوفر ظروف حدوث حب الشباب لدى بعضنا، بينما لا تتوفر لدى البعض الآخر.
لقد وجه الباحثون نظرهم على وجه التحديد إلى نوع من البكتيريا المعروفة بإسم “لبروبيونية العدية – Propionibacterium acnes” ، والتي – كما يوحي اسمها – يمكن أن تتسبب في حب الشباب، لذلك فقد قام الفريق البحثي بوضع تلك البكتيريا تحت مجموعة من الظروف الخاصة على جلد فئران التجارب، في محاولة منهم لمعرفة حقيقة ما يجري.
وقد وجد العلماء أنه عندما تم احتجاز تلك البكتيريا في بيئات خالية من الهواء – كالتي توجد بجانب الشعر-، فإنها تقوم بتحويل الزهم -وهو الدهن الموجود على بشرتنا- إلى أحماض دهنية تنشط آلية حدوث الالتهاب في خلايا الجلد المجاورة، وعادةً ما يتم إيقاف هذا الالتهاب عن طريق إنزيمات خاصة تُنتجها خلايا الجلد، إلا أن الأحماض الدهنية التي تنتجها البكتيريا تعمل على تعطيل عمل تلك الإنزيمات.
وأضاف الباحثون أن الاكتشافات الجديدة يمكن أن تفسر أيضاً سبب تعرض المراهقين لحب الشباب بصورة كبيرة، ذلك لأن هورموناتهم الجنسية خلال فترة البلوغ تضاعف إفرازهم للدهون ، مما يعطي المزيد من الوقود لهذه البكتريا.
إن النبأ السيء هو أن تنظيف وجهك جيداً ليس هو الحل النهائي لتلك المشكلة، حيث أظهر الفريق البحثي أن البكتريا تتكتل معاً على سطح الجلد لتشكيل بِنيات دقيقة تسمى “الأغشية الحيوية”، وبذلك تصبح هذه البكتيريا شديدة الالتصاق ببشرتك مما يمنعك من إزالة الدهن بصورة جيدة.
إن هذه البكتيريا في حقيقة الأمر ليست ضارة، وإنما تواجدها في ظروف خانقة هو ما يقف وراء إحداثها لـ “حب الشباب”، ولعل هذا يفسر لماذا لا يعمل العلاج بالمضادات الحيوية لدى جميع الحالات، بل وربما قد يُزيد الوضع سوءاً.
يقول جالو: “إننا يمكننا إما أن نثبط هذه الأحماض الدهنية، أو نمنع تأثيرها على الجلد. إننا نبحث الآن في كيفية القيام بذلك… إذا حالفنا الحظ، فقد نتوصل إلى أدوية جديدة في غضون سنتين إلى خمسة سنوات”.
ويضيف: “ربما تكون سلالات البكتيريا الموجودة على جلد الأشخاص المصابين بحب الشباب تُنتج كميات زائدة من الأحماض الدهنية مقارنة بالسلالات الأخرى، إن كل هذه الاحتمالات ربما تلعب دوراً في أبحاثنا”.
وبمجرد فهم الباحثين لهذه الأمور، سيكونون على مقربة ليس من العلاج فقط ، بل من المحتمل أن يمنعوا ظهور حب الشباب في المقام الأول. وهو ما من شأنه أن يكون مصدر ارتياح كبير لجميع الأفراد الذين يعانون من حب الشباب.