كيف تتعامل مع الألم النفسي الناتج عن الشعور بالعجز تجاه ما يحدث في الأراضي المحتلة؟

نتابع بشكل يومي العدوان الوحشي الواقع على اخوتنا في الأراضي المحتلة، ويعاني الكثيرون من الألم النفسي الناتج عن الشعور بالعجز تجاه تلك الأحداث التي تفوق قدرتنا على الاستيعاب والتحمل؛

فقد لا تشعر فقط بالألم والتعاطف، وإنما تنتابك مشاعر الذنب لأنك في حال أفضل ولديك ما حرموا منه؛

بل وتصبح ممارسة حياتك الطبيعية أمرا عسيرا، لا سيما عندما تدرك أن هناك من يعاني من أجل الحصول على أبسط مقومات الحياة من مسكن، ومطعم، ومشرب ودواء.

الألم النفسي الناتج عن الشعور بالعجز
كيف تتعامل مع الألم النفسي الناتج عن الشعور بالعجز تجاه ما يحدث في الأراضي المحتلة؟

ويصف الأطباء النفسيين تلك المشاعر بأنها حالة من عدم اختبار أي مشاعر إيجابية تجاه الواقع الذي نعيشه، ويطلقون عليه اسم “متلازمة عقدة الذنب لدى الناجين“.

حيث تناول العديد من الأبحاث ذلك الاضطراب النفسي، وتوصلت إلى أن تلك العقدة هي مجموعة من الأعراض النفسية والجسدية تصيب الأفراد الناجين من بعض الحوادث أو الكوارث الإنسانية؛

وتشمل الاضطرابات العاطفية، والنظرة السلبية للذات، وتدني احترام النفس، وطرح التساؤلات الوجودية، والصداع والأرق والإرهاق، والتفكير المضاد للواقع.

يقول البروفيسور أحمد العيسى _استشاري الطب النفسي بمستشفى السعودي الألماني: “يرتبط الشعور بالذنب والعجز بالمبادئ التي يتبناها الشخص”.
“فعند مشاهدة عدم تحقق هذه المبادئ يتولد الشعور بالذنب والعجز الذي يتفاقم مع الوقت ويولد شعورا بالإحباط، وكلما طالت مدة الحرب مع عدم القدرة على تقديم المساعدة للضحايا وتحقيق العدالة والأمن والسلامة تتفاقم تلك المشاعر”.

وأوضح العيسى أن “سواء أكانت متابعة الأخبار بنظرة إيجابية تنتظر الفرج والنصر للفلسطينيين، أم بنظرة سلبية تتابع تعداد القتلى والجرحى والنازحين؛

فإن ما يجري يؤثر على الجميع بشكل كبير ويولد مشاعر الذنب التي قد تدفعهم للدخول في حالة من السلوك الوسواسي لمتابعة الأحداث لحظة بلحظة، وشعورهم أن عليهم قضاء أكبر وقت ممكن في متابعة الأخبار”.

ويضيف أن هذا السلوك القهري يؤثر على جوانب الحياة اليومية لمن يتابعون الأخبار، فتتأثر صحتهم النفسية وعلاقاتهم مع العائلة وزملاء العمل ويصبحون منعزلين أكثر، وهو سلوك غير فعال إذ تصبح المعاناة ليست فقط عند أهل غزة، ولكن عند الجميع”.

ومن أشكال عقدة الذنب ما يسمى بـ”الذنب التضامني”، وهو ما يمكن أن يفسر أيضا المشاعر التي يمر بها العرب والمسلمون في تضامنهم مع أهل غزة.

وقد أشار تميم مبيض _الباحث بالدكتوراة في جامعة أوكسفورد_ إلى أن الذنب التضامني هو شعور بالذنب ينشأ عندما يكون الضحايا من مجموعة لديها هوية جماعية مشتركة؛

مثل دين مشترك أو قومية مشتركة، ويشعر الناجي أنه يجب عليه أن يتقاسم مصير هؤلاء الأفراد من المجموعة التي ينتمي إليها.

وقد ذكرت دراسة نشرتها المكتبة الوطنية الأميركية للطب أن مشاعر الذنب لدى الناجين يمكن أن تؤدي إلى دفعهم لتغيير حياتهم بشكل إيجابي؛

وتغيير منظورهم لما مروا به وإدراك أنهم نجوا لغرض ما، مثل تبني قضية الضحايا وإخبار العالم بقصصهم، أو الانخراط في عمل فعّال يجعل العالم أكثر عدلا.

ولعل من أهم ما يُنصح به من يعانون من عقدة الذنب، هو توجيه مشاعر العجز والذنب إلى شيء إيجابي فعال عن طريق تقديم أي مساعدة ممكنة للضحايا أو أي شخص آخر محتاج.

ويمكنك التطوع في حملات المؤسسات الخيرية لتقديم المساعدات لضحايا غزة، أو التبرع بالمال، أو نشر الوعي عن قضيتهم بما لديك من إمكانيات لذلك؛

أو حتى الدعاء لهم، ولا يشترط أن تكون المساعدة كبيرة ومؤثرة في تغيير الواقع، يكفي أن تقدم ما في قدرتك مهما كان بسيطا.

دكتور أحمد الحسيني

طبيب متخصص في مجال طب وجراحة العيون- مستشفيات جامعة المنصورة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى