تاريخ السرطان History Of Cancer
للقراءة عن تفاصيل مرض السرطان قم بزيارة هذا الرابط.
-عصور ما قبل التاريخ:
تحتوي متاحف التاريخ الطبيعي في العالم على أمثلة عديدة لوجود التغيرات السرطانية في الإنسان والحيوان منذ عصور ما قبل التاريخ. ومن أقدم الأدلة التاريخية المعروفة هي آثار ورم سرطاني Ostreosarcoma أو نمو عظمي Exostosis في فقرات الذيل لديناصور اكتشف في ولاية ويامونك الأميركية. وفي القرن التاسع عشر اكتشف طبيب هولندي اسمه دوبوا في جاوة أندونيسيا آثار مماثلة لسرطان في عظم فخذ بشري يرجع تاريخه إلى عهد الإنسان المنتصب Homo erectus أي قبل 800,000 سنة قبل الميلاد. وتبعت هذه اكتشافات أخرى في هياكل بشرية تاريخية لسرطانات عظمية أو لتلف عظمي بسبب انتشار سرطان من أنحاء أخرى كما حدث في كهف جون دا أوس في جبال الألب حيث وجدت جمجمة بشرية تعاني من ثقوب عزيت إلى انتشارات سرطان نخاع العظم المايولوما Myeloma إليها أو إلى سرطان الخلايا الطلائية Carcinoma فيها. وهناك حالات مماثلة من الجبال السويسرية إلى بيرو وكولومبيا في أميركا الجنوبية حيث وجد سرطان العظم في هياكل تعود إلى 2400 سنة قبل الميلاد.
– العصر الفرعوني:
أما سرطانات الأنسجة الرخوة فقد وجدت محفوظة في مومياءات الفراعنة مع سرطانات العظام ومنها سرطان الأنف والحنجرة.
يرجع البروفسور واكنر Wagener في كتابه تاريخ السرطان بالهولندية أقدم وثيقة مكتوبة عن السرطان إلى صفائح بردي فرعونية وجدت في الأقصر بمصر عام 1862 . فقد تبين عندما ترجمت إحداها بردية إدوين سمث في معهد الدراسات الاستوائية بجامعة شيكاغو أنها تحتوي على تفاصيل طبية لثمان حالات من قرح أو عقد سرطانية في الثدي استُأصلت بما سمي بالمكوي الخارق Fire Drill يرجع تاريخها إلى عهد الراهب الأعلى أمحوتب الذي كان طبيباً ومهندساً ومستشاراً للفرعون في 2650 قبل الميلاد. ومع أن كلمة “سرطان” لم تكن مستعملة في تلك الأيام إلا أن العقد وصفت بأنها لاعلاج لها.
أما ما يعرف ب بردية أيبر فتعتبر أطول مخطوطة بردي طبية كتبت 50 سنة بعد بردية إدوين سمث ووجدت في القرن التاسع عشر ما بين ساقي مومياء في مقبرة أثرية في طيبة. وبعد ترجمتها عام 1937 وجد أنها تحتوي على وصفات طبية لعلاج مختلف الأمراض ومنها السرطانات يعود تاريخها إلى حوالي 2500 – 3000 سنة قبل الميلاد. ولوحظ أن الأورام السرطانية كانت تعتبر آنذاك صنفاً من الأورام العامة كالالتهابات والتي كانت تعالج بمختلف الطرق.
وردت السرطانات أيضاً في الوثائق الأثرية الأخرى لحضارات ما بين النهرين كالسومرية والبابلية والحضارات الهندية والفارسية والصينية حيث كان الطب محصوراً بالكهنة أصحاب الامتيازات الخاصة. واستمر الوضع حتى العصر اليوناني الإغريقي الهيليني الذي بدأت موازين السلطة فيه وبضمنها العلوم والطب تميل بعيداً عن سلطة الكهنة والقساوسة المطلقة نحو الديمقراطية ومبدأ العلم للجميع.
– العصر اليوناني:
ظهرت أولى بوادر علم السرطانيات كما نعرفه اليوم على يد هيبوقراط في العهد الإغريقي اليوناني. ومع أنه كان نفسه سليل عائلة أرستقراطية يرجع أصلها إلى أسكليبيوس إله الطب عند الإغريق إلا أنه كان أول من دعا إلى فصل الدين والمعتقدات والسحر عن العلوم الطبية، واتبع اسلوباً جديداً في وصف العاهات المرضية بصورة دقيقة ونظامية وتفسيرها منطقياً بناء على المعلومات المتوفرة من العلوم الطبيعية آنذاك كما ما زلنا نفعل إلى يومنا هذا.
ولد هيبوقراط عام 460 قبل الميلاد في جزيرة “كوس” اليونانية وبقي يحاضر في المدرسة الطبية هناك فيما بعد. ويبدو أن آراءه تأثرت نوعاً ما بالمحيط البحري المفتوح فجاء مثلاً بنظرية السيولة Humoral Theory في تفسير الأمراض، وفيها يعزى نشوء المرض إلى اختلال التوازن الطبيعي إما بالزيادة أو بالنقصان بين عوامل التجانس السائلة الأربعة في الجسم والتي ينبغي بحسب النظرية أن تتعادل مع نظيراتها الكونية المتجانسة ليرجع المريض إلى حالتة الطبيعية. وهذه العناصر هي: الدم الذي اعتقد أنه كان يصنع في القلب ويمثل الهواء، والمخاط الذي اعتقد أنه كان يصنع في المخ ويمثل الماء، والمرارة السوداء التي اعتقد أنها كانت تصنع في الطحال وتمثل التراب، والمرارة الصفراء التي تصنع في الكبد وتمثل النار الطاقة.
فسر هيبوقراط ظهور الأورام السرطانية وفقاً لنظريتة في السيولة إلى زيادة في المرارة السوداء، وأسهب في تفصيلها في كتبه ومحاضراته مستعملاً لفظ أونكو – Onco الذي يعني “ورم” بالإغريقية فأصبح “علم السرطانيات” يعرف ب الأونكولوجي Oncology بعد إضافة مقطع – Logy الذي يعني المنطق أو العلم بالإغريقية، إليه.
ويعتقد أن هيبوقراط هو الذي استعمل كلمة كارسينوس Carcinos لأول مرة وتعني بالإغريقية حيوان السرطان القشري وذلك إشارة إلى الورم السرطاني غير المتقيح وكارسينوما Carcinoma إشارة للورم السرطاني المتقيح. ويبدو أن هذه الفكرة جاءت تشبيهاً بالمظهر الخارجي لجسم السرطان القشري مع شكل الورم في سرطان الثدي والذي تتفرع أحياناً من جوانبه أوردة دموية تحت الجلد تشبه أذرع السرطان. وربما شاء هيبوقراط مجاملة مريضاته باستعمال تشبيه غير مباشر للمرض، حيث كانت سرطانات الثدي والرحم والأعضاء التناسلية الأخرى تنتشر بين النساء في تلك الحقبة مسببة أعراضاً نفسية مهمة بسبب التشوّهات الجمالية وفقدان الوظائف الأنثوية بحيث يعمدن إلى التكتم طويلاً على وجود المرض حتى يفوت الأوان. ومن سخرية القدر أن كلمة “سرطان” أصبحت الآن هي كنية المرض نفسه. وكان هيبوقراط هو أول من قسم السرطانات إلى حميدة تشمل الأورام الالتهابية والاختلالات السرطانية الحميدة الصفات، وخبيثة. وكما أصبح الآن معروفاً فالاختلالات الخلوية المبدئية يمكن أن تكون حميدة وغير كاملة التسرطن.
– العصر الروماني:
ثم حلّ العهد الروماني الذي انتقلت إليه مؤشرات الحضارة والتقدم العلمي من الإغريق. وكان سيلساس وكاليناس من أشهر المساهمين في تلك الحقبة فيما يخص السرطانيات.
عاش سيلساس ما بين 30 قبل الميلاد و 38 بعد الميلاد ولم يكن طبيباً ولكنه كان مغرماً بالدراسات والوصف، فألّف كتباً في مجالات مختلفة كالهندسة المعمارية والقانون والمجالات العسكرية والعلوم كان منها ثمانية كتب في الطب بقيت مهملة حتى عهد النهضة حيث أعيد اكتشافها في عهد البابا نيكولاس الخامس 1455 – 1379 . وتكمن أهمية كتب سيلساس الطبية في أنها تضمنت تصنيفاً مهماً لأنواع السرطان، وأول وصف لخاصية الانتشار Metastasis كما وصف سيلساس تجمع السوائل Oedema بسبب ضغط الورم على الأعضاء المحيطة واعتبر تسرطن الغدد اللمفاوية جزءاً من أعراض الورم الأصلية.
أما كاليناس الذي ولد عام 130 ميلادية فقد درس فلسفة الرياضيات والعلوم الطبيعية، ومنها تعلم أهمية التشريح واطّلع على نظريات وأعمال هيبوقراط فدرس الطب بعد ذلك. وكان طبيباً بارعاً للمحاربين الرومان الكلادييترس لولعه بالتشريح والجروح الرياضية. اتبع كاليناس إضافة إلى تقديمه لعلم الوظائف التجريبي والتشريح الذي كان يدرسه على القرود نفس منهاج هيبوقراط ونظرية السيولة وتابع استعمال تسمية “السرطان” الذي كان برأيه يبدأ في الأعضاء كالشفاه أو اللسان أو الثدي عندما تترسب المرارة السوداء فيها.
كما أضاف كاليناس إلى لفظ “كارسينوما” الهيبوقراطي لفظاً جديداً هو الساركوما Sarcoma إشارة إلى سرطانات الأنسجة اللحمية الرخوة كالعضلات ساركوس = Sarcos لحم وطوّر نظرية هيبوقراط عن اختلال تجانس السوائل الأربعة في الأمراض الجسمية لتشمل المزاج أيضاً، فقسم هذا إلى أربعة أنواع: دموي ومخاطي ومراري أصفر قولنجي ومراري أسود ميلانقولنجي أو ميلانكولي ميلان Melan = أسود. وربط ما بين المزاج الكئيب واختلالات المرارة السوداء في الجسم ثم ما بين السرطان والكآبة بسبب هذه الاختلالات فاعتقد بأن الكآبة تحدث في المرضى المصابين بالسرطان وأن السرطان يحدث في المرضى المصابين بالكآبة ولم يثبت الجزء الأخير علمياً لحدّ الآن.
وإبّان الفترة البيزنطيَّة 1453 – 395 ميلادية جمعت الأعمال الطبية للإغريق والرومان بشكل موسوعات طبية ونوّطت بدون إضافات علمية تذكر إلا القليل. ومن هذا القليل وصف أوريباسياس لسرطانات الوجه والثدي والأعضاء التناسلية والآلام التي تسببها. وملاحظات إيتياس عن العلاقة بين سرطان الثدي وتضخم الغدد اللمفاوية تحت الإبط واستعماله الأفيون لعلاج آلام السرطان. وتعليق الجراح بولس من جزيرة إيجة عن تشبيه المرض بالسرطان بأن الورم ينمو ملتصقاً بأعضاء الجسم كتشبث حيوان السرطان بضحيته.
– العصر الاسلامي:
وسار العرب في في أثناء توسع الحكم الإسلامي على نفس المنهاج الروماني اليوناني فتوّجوا كاليناس أميراً للأطباءمعتبرين أعماله مصدراً رئيساً للمعلومات الطبية. وترجمت هذه الأعمال إلى العربية كما فعل ابن سينا الذي أكمل هو بدوره عام 1025 موسوعته الطبية المشهورة ذات الأجزاء الخمسة القانون في الطب والتي احتوت على وصف لعمليات جراحية للسرطان. وبعد اندحار الإمبراطورية الإسلامية، وجدت هذه الأعمال طريقها ثانية إلى مختلف أنحاء أوروبا وخاصة عن طريق شمال إفريقيا وإسبانيا وإيطاليا وبقي قانون ابن سينا الذي ترجم إلى اللاتينية ولغات أخرى أساساً لتعليم الطب في أوروبا طيلة 700 سنة، وأصبح هو والإنجازات الإسلامية الأخرى شعلة ضياء وأساساً راسخاً للتقدم العلمي في أوروبا الغربية بعد خروجها من العصور الوسطى المتخلفة .Pickover
تعتبر فترة العصور الوسطى في أوروبا ما بين القرنين العاشر والرابع عشر فترة ركود علمي وطبي، وذلك بسبب شيوع الأفكار الدينية المتعصبة وتكفير العلماء من قبل الكنيسة ومنع التشريح والنظريات والبحوث العلمية لأسباب دينية. ولهذا فليس من الغريب ألا يحدث شيء جديد يذكر في مجال السرطانيات أيضاً خلال تلك الحقبة. ثم تبع هذه الفترة المظلمة عصر النهضة الأوروبية ما بين القرنين الرابع عشر والسابع عشر حيث تبرعمت العلوم الطبية من جديد وازدهرت ورافقتها اكتشافات وتقدم كبير في كل المجالات كاختراع المطابع كوتنبرك واكتشاف القارة الأميركية كولمبس ونظريات كوبرنيكوس الفلكية حول دوران الأرض والمجموعة الشمسية حول الشمس. وفيما يخص السرطان فقد ازدهرت نظريات هيبوقراط وكاليناس ثانية وبقيت نظرية السيولة وأن السرطان مسبب عن ترسب المرارة السوداء في الجسم قائمة في البداية ولكن عودة التشريح أندريه فيساليس 1514-1564 والبحوث العلمية التي أدت إلى تجديد وصف الدورة الدموية الكبرى وإعادة وصف الدورة الدموية الصغرى وليام هارفي 1628 وصفت الدورة الدموية الصغرى لأول مرة من قِبل علاء الدين أبو الحسن بن النفيس عام 1242 في في أثناء تعليقاته على كتاب القانون في الطب ل ابن سينا ووصف كاسبارواسيللي 1627 للجهاز اللمفاوي لأول مرة – عندما نشر وجود أوعية تحوي مادة حليبية بيضاء حول المعدة والأمعاء لاحظها عند تشريح كلب كان قد أكل لتوه -والذي تبع بوصف كامل للجهاز اللمفاوي أولوف رودبك 1651 من جامعة أبسالا السويدية، هذا كله أدى إلى تحمّس الباحثين في السرطانيات لاختبار صحة النظريات القديمة وتجديدها خاصة بعد أن أصيبوا بخيبة أمل لعدم وجود أثر في الجسم للمرارة السوداء. وبذلك بدأت سلطة هيبوقراط وكاليناس بالزوال وبدأ البحث من جديد عن أسباب ممكنة للسرطان.
– عصر النهضه الاوروبية:
أدى حماس باحثي عصر النهضة وضيق الوسائل العلمية في تلك الحقبة مقارنة بيومنا هذا إلى ظهور نظريات غريبة حول أسباب السرطان. وكان أول بديل للمرارة السوداء كسبب للسرطان هو اللمف الذي كان قد اكتشف حديثاً، فظهرت النظرية اللمفاوية للسرطان رينيه ديسكارتيه 1650 – 1596 والتي ذهبت إلى أن الأورام الحميدة مسببة عن تجمد اللمف الناضح خارج الأوعية اللمفاوية، وأما الخبيثة منها فسببها بقاء اللمف المتجمد داخل الأوعية وانسدادها وتحللها. أما الآن فيعرف اللمف المتجمد ب “الفايبرين” الذي لاعلاقة له بالسرطان.
وسبب فيليب فان هوهنهايم 1541 – 1493 الملقب بارا سيلساس انتقادات كثيرة عندما اعتبر الاختلال الكيمياوي للأملاح في الدم من بين أسباب السرطان. فقد اعتقد بأن هذه الأملاح إذا فاضت وارتفعت تراكيزها في الدم ستخرج منه إلى الجسم مسببة الورم. ونصح بحرق الورم وتحليله كيمياوياً للتعرف على ماهية الأملاح وبالتالي العلاج المناسب.
أما وليام بورز فكتب في عام 1793 يعزو السرطان إلى مادة سامة يفرزها الجسم نفسه من الأعضاء التناسلية وظن بأن السرطان أقل حدوثاً في المناطق الحارة لفقدانهم الحيا من “السائل المنوي” بكثرة وانتظام مقارنة برجال المناطق الباردة، وفسر كذلك زيادة نسبة السرطان في الرجال غير المتزوجين مقارنة بالمتزوجين منهم على ذلك الأساس.
أما إنجازات تلك الحقبة التي يبدو الآن أنها كانت تشير إلى الاتجاه الصحيح فنذكر منها أستاذ التشريح الإيطالي هيرونيماس فابريشياس 1619 – 1537 الذي فرق ما بين الأورام الالتهابية والأورام السرطانية ونصح بإزالة الورم كاملاً. والجراح الإيطالي مركس سيفيريناس 1580 – 1656 الذي نصح بوجوب إزالة الغدد اللمفاوية الموضعية مع الورم لكي ينجح العلاج.
وعزى هرمان بورهاف 1688 – 1738 سبب السرطان إلى التهابات موضعية تتحول إلى ورم صلب غير مؤلم في ظروف غير مواتية، كما في انسداد أنابيب الحليب في الثدي بسبب تخثره في داخلها. أما في هذا الوقت فقد أصبح معروفاً بأن الالتهاب ضروري لعملية التسرطن ولكن على أسس أحيائية وكيمياوية ومناعية أخرى.
وأخيراً اُنتقدت نظرية السيولة في السرطان من قِبل الجراح هنري لادران 1685 – 1770 الذي اعتبر الورم السرطاني مرحلة مبكرة لأعراض أخرى في الجسم. كما وصف أسس انتشار السرطان وعلاقة الجهاز اللمفاوي وتسرطن الغدد اللمفاوية الموضعية بهذه العملية في سرطان الثدي ومع رجوع المرض بعد الاستئصال ملاحظاً بأنه عندما تصاب غدة لمفاوية موضعية باللمف المتسرطن فسيتسرطن الجهاز اللمفاوي بكامله.
وأشار الفرنسي جين أستروك 1766 – 1684 إلى أن السرطانات الصلبة والرخوة تتضمن نفس الطبيعة ولكنها تختلف في مآلها ونجاح علاجها ما بين نوع وآخر.
وأسس جين كودينو حوالي عام 1720 أول مستشفى للسرطان في فرنسا كان يقدم رعاية طبية ونفسية وحلولاً اجتماعية لمرضاه.
وفي عام 1735 ذكر دي كورتر أن “المواد” السرطانية تدخل الدم وتنتشر بعدها من عقدة لمفاوية إلى أخرى. وتبعه جوزيف ريكامييه 1774 – 1852 باستعماله كلمة انتشار Matastasis لأول مرة مع وصف واضح للعملية ذاكراً بأن السرطان يدخل إلى الدورة الدموية ثم ينتشر إلى أماكن بعيدة من الجسم مثبتاً هذا على يد حالة لسرطان الثدي الذي انتشر إلى المخ.
وفي 1761 نشر جيوفاني باتيستا موركاني أول نموذج لتقرير طبي في التشريح المرضي تضمن 700 حالة مرضية. ووصف سرطانات الجهاز الهضمي والرحم. كما وصف موركاني الفرق بين الأورام السرطانية والأورام الأخرى غير السرطانية في الجسم واستحق لقب أبو التشريح المرضي واعتبرت بحوثه بداية عصر النهضة الطبية.
– تطور تشخيص السرطان:
ثم نشر ماري – فرنسوا بيشات 1802 – 1771 أول وصف للعلاقة العضوية بين الأنسجة في 600 حالة تشريحية بدون استعمال المجهر. وفرق في وصفه بالعين المجردة ما بين الجزء المتسرطن من الورم السرطاني والجزء الرابط الغير متسرطن.
ومع أن المجهر كان قد اخترع على يد هانز وابنه زكريا يانسن عام 1638 – 1580 إلا أن استعمالاته البحثية بدأت فيما بعد على يد مالبيجي الذي اكتشف الأوعية الشعرية 1694 – 1628 وأنتوني فان ليفنهوك 1723 – 1632 الذي اكتشف كريات الدم والحيامن والنسيج العضلي المخطط. ولم يستعمل المجهر في بحوث السرطان حتى عام 1827 عندما اخترع فرانسواه راسبيل تقنية تجميد وتقطيع النماذج العضوية، ولكنه اعتقد بأن الأنسجة تتكون من فقاعات وذلك حتى اكتشف عالم الأحياء ثيودور شوان الخلية عام 1838 ووصف مكوناتها كقواعد أساسية لتركيب النباتات والحيوانات على حد سواء.
واعتقد برنارد بايرل 1804 – 1735 بأن سبب السرطان هو جرثومة حية وأنه يبدأ موضعياً ثم ينتشر عن طريق الجهاز اللمفاوي إلى أنحاء الجسم الأخرى. وصمم نموذجاً تجريبياً لإثبات ذلك استعمل فيما بعد في بحوث السرطان.
ثم نشر السير إيفيرارد هوم عام 1830 كتاب عنوانه ممر قصير في تكوين الأورام A short tract in the formation of tumors احتوى على أول دراسات مجهرية لخلايا السرطان من دون إضافات علمية تذكر. ثم تبعه كتاب الباثولوجست الألماني جوهان مللر Uber den feinern Bau die Formen der krankhaften Geschwulste في 1838 والذي احتوى على أوصاف مجهرية لمختلف أنواع السرطانات، واصفاً لأول مرة ظاهرة فشل التكوين Anaplasia الخلوية. ومن أهم ما ذكر في الكتاب هو ما عرف فيما بعد ب “نظرية مللر” والتي أصبحت أول قانون في مبادئ السرطانيات ومفادها هو: لا يوجد فرق حقيقي ما بين تركيب نسيج الأورام السرطانية والأنسجة الطبيعية. كما أثبت مللر أخيراً بأن الورم السرطاني يتكون من خلايا وأنسجة وليس من اللمف المتجمد. واعتقد بأن السرطان لا ينشأ من النسيج الطبيعى بل يرجع أصله إلى خلايا جرثومية غير محدودة الشكل تنتشر بين طبقات النسيج الطبيعي. وسمى هذه الخلايا “البلاستيمات”. وهكذا ساهم مللر مساهمة أساسية في وضع أسس السرطانيات الحديثة عندما أثبت بأن أصل السرطان يبدأ من الخلية. وبهذا يمكن اعتبار مللر “أبو علم الأمراض والخلايا المجهري”.
وهكذا بدأت علوم النسيج والأمراض والجراثيم والسرطانيات المجهرية تسير قدماً في اكتشاف أنواع الخلايا والأنسجة والتغييرات المرضية فيها ووصفها لحد يومنا هذا.
– تطور العلاج:
أما علاجات السرطان فقد بدأت بتطور التقنيات الجراحية وخاصة التخدير الذي بدأ باكتشاف الخواص التخديرية لغاز أوكسيد النيتروجين غاز الضحك من قبل السير همفري ديفي عام 1779 وتجريبه على السمك الذهبي. ومن ثم تطبيق مبادئ التعقيم التي أسسها جوزيف لستر لأول مرة عام 1867 عندما استعمل الفينول وحامض الكاربوليك في صالات العمليات تطبيقاً لنظريات لويس باستور حول الأصول الجرثومية للأمراض.
تطور العلاج الاشعاعي:
ثم اكتشفت الأشعة السينية أشعة إكس ونشر مكتشفها الألماني رونتكن أول مقالة بعنوان عن فن جديد في الإشعاع Uber eine neue Art von Strahlen عام 1895 . واستعمل التصوير الإشعاعي لأغراض طبية لأول مرة في ماسترخت – هولندا عام 1896 حين نشرت أول التجارب لتصوير يد فتاة إشعاعياً. وفي عام 1915 أعلن كارنستروم الذي كان يعمل مصوراً إشعاعياً في مستشفى أنتوني فان ليفنهوك للسرطانيات بأمستردام عن تجاربه الحذرة التي بينت إمكانية استعمال الأشعة السينية لعلاج السرطان.
وفي عام 1903 حصلت ماري كوري على الدكتوراه لأطروحتها الموسومة “بحوث على المواد المشعة” والتي تضمنت دراسات على إشعاع اليورانيوم واكتشاف مشتقيه المشعين البولونيوم والراديوم. ونالت كوري عن اكتشافاتها للمواد المشعة جائزة نوبل عام 1911 قبل أن تتوفى بسرطان الدم الأبيض اللوكيميا عام 1934 .
تطور العلاج الدوائي:
أما العلاجات الدوائية للسرطان فقد استعملت كما ورد في بداية هذا الفصل منذ قديم الزمان على شكل الأعشاب والخلطات الطبية التي شملت أحياناً عناصر أخرى كالمعادن مثل الحديد والنحاس والزرنيخ والزئبق والكبريت والمنتجات الحيوانية كالعظام وجلد الأفعى وقرون وحيد القرن وحتى الأدرار وبأشكال متعددة. ولاتزال مثل هذه الطرق تستعمل حتى الآن عند قبائل أفريقيا وأميركا الجنوبية والشرق الأوسط والأقصى. ويرجع تاريخ أقدم العلاجات المعروفة إلى السومريين حوالي 1000 سنة قبل الميلاد، كما ذكرها الصينيون والهنود والفرس والفراعنة. وقد عاد استعمال مثل هذه العلاجات في الغرب خلال ربع القرن الماضي تحت تسميات “العلاجات البديلة أو المكملة” وكذلك “الهوميوباثي”. وتتضمن هذه الأعشاب والنباتات والأثمار الطبية إضافة إلى عناصر كيمياوية من الطب القديم والطب التقليدي كمركب أرسينات البوتاسيوم الذي ثبت بأن له تأثير إيجابي على عدد كريات الدم البيضاء وصحة المريض، وكان يباع حتى الثلاثينات من القرن الماضي باسم “محلول فاولر” ويستعمل لعلاج اللوكيميا سرطان الدم الأبيض.
أما العلاج الدوائي الحديث للسرطان فقد بدأ باكتشاف العلاج الكيمياوي أولاً عندما استعمل غاز الخردل في في أثناء الحرب العالمية الأولى ولوحظت تأثيراته السامة على الجنود متمثلة في اضمحلال خلايا نخاع العظم وأعداد كريات الدم البيضاء. وبدأت التجارب المختبرية الأولى عام 1931 من قبل الأميركيين أدير وباك Adair and Bagg على الأورام الجلدية في الحيوانات. ثم تم اشتقاق خردل النيتروجين Nitrogen Mustard من غاز الخردل كأول علاج كيمياوي للسرطان وجرب بنجاح عام 1942 على مريض مصاب بسرطان الدم اللمفاوي من غير نوع هوجكنز Non-Hodgkins Lymphoma لم يكن يتأثر بالإشعاع لتكون هذه أول دورة علاج كيمياوي في التاريخ قام بها كوستاف لندسكوك في مركز جامعة ييل Yale الأميركية لعلاج السرطان وأدت إلى اضمحلال الورم. ثم درس الأميركيان كودمان وكلمان الخواص الفارماكولوجية والعلاجية والسمية لخردل النيتروجين ومشتقاته التي سميت بالعوامل الإلكيلية Alkylating Agents نسبة إلى طريقة عملها في إيقاف انقسام الخلية وذلك بربط خيطي حامض ال دنا DNA بأواصر كيمياوية مع جذور الإلكيل تمنع من انفصالهما استعداداً للانقسام. ونشرت النتائج عام 1963 وكانت هذه هي أول أصناف العلاجات الكيمياوية للسرطان تبعتها فيما بعد أصناف عديدة ولاتزال الكثير من هذه الأدوية تستعمل في علاج السرطان حتى هذا اليوم.
أما في الوقت الحاضر، فقد أخذت بحوث السرطان وأسبابه تخطو سريعاً نحو الاكتمال بسبب التطور السريع لعلوم وتقنيات الأحياء الجزئية والكيمياء الحياتية وعلوم الوراثة كما سنناقش في مقالات قادمة.
يمكنك اضافة اي تحديثات للمقالة في التعليقات.
– الكاتبة: الدكتورة مي رمزي طلحة الأرناؤوط.
- طبيبة وباحثة أكاديمية مستقلة.
- دكتوراه في السرطانيات Ph.D جامعة لندن بريطانيا
- دكتورة في الطب (. M.D ) جامعة جنت بلجيكا
- أخصائية في السرطانيات والطب العام وطب التكاثر.