تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على الصحة النفسية
جلست في المقهى المفضل لديها، تنظر لمن حولها من ضحكات ومحادثات وأشخاص كثيرة حتى تلتفت برهةً لتتأمل صورة الفتاة الضاحكة على حائطٍ مُبهج اللون، بعينين حالمتين،
وتتساءل بداخلها عن يقين ومعرفة للإجابة، هل بالفعل تظهر سعادتنا وأحلامنا علي وجوهنا وفي ضحكاتنا؟
هل نحن من نصنع لأنفسنا السعادة؟
ونحن من نمتلك القدرة التي تحمي سلامنا النفسي والبدني؟
هل نحن من جعلنا أنفسنا بعيدين عن جمالنا الحقيقي المُبعثَر التلقائي وتسترنا خلف مثالية الأقوال والأفعال على مواقع التواصل الاجتماعي؟
....؟
ثم فجأةً ... قاطعها النادل وأخرجها من شرودها، وقدَم لها قهوتها، لتسحب هاتفها وتتصفح صفحات مواقع التواصل الاجتماعي !!!
هل مواقع التواصل الاجتماعي تُسبب الاكتئاب؟
اختلفت الدراسات العلمية حول تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على الصحة النفسية، وتباينت آراء العلماء حول مدى ضرر ونفع مواقع التواصل الاجتماعي بدنيا ونفسيا.
توصل فريق من الباحثين إلى أن هناك صلة طردية بين عدد الساعات التي يقضيها المرء أمام مواقع التواصل الاجتماعي وزيادة فرص إصابته بالقلق والاكتئاب،
حيث كشفت الدراسات أن الجلوس أمام الشاشات والهواتف يُزيد من إفراز مادة الكورتيزون التي تُسبب الاكتئاب.
بينما توصل فريق أخر في دراسة أخرى بجامعة أمريكية، إلى أن عدد الساعات التي يستخدمها المرء على مواقع التواصل الاجتماعي لا تؤثر سلبا عليه،
بينما هي فقط الطريقة المستخدمة والأسلوب وليس طول المدة.
وأوضحوا أن تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على الصحة النفسية، مقرون بطريقة تفاعل الشخص مع محتوى الآخرين وكيفية تأثيره على تفكيره وقراراته.
مواقع التواصل الاجتماعي وأثرها على العلاقات الاجتماعية
مع تزايد عدد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي والتي أصبحت جزءا من العادات اليومية لمليارات من البشر يوميا، أصبح من الطبيعي إدراج مواقع التواصل الاجتماعي تحت مسمى إدمان.
لكن هل يعد هذا النوع من الإدمان شيئا سلبيا فقط؟!
قد تعد هذه المواقع منصاتٍ للتنمر الاجتماعي والتعليقات السلبية التي من السهل أن تسبب الاكتئاب وتُضعف من صحة الفرد العقلية والنفسية.
ولكن، قد تكون هذه المنصات أيضا وسيلةً للتواصل الأسري والاجتماعي خاصة للأشخاص الذين يعانون من قلة التفاعل الاجتماعي، مثل كبار السن وذوي الإعاقة.
تساعد مواقع التواصل الاجتماعي أيضا على تقليل مشاعر الوحدة وزيادة تقدير الذات بصورة أفضل، وتساهم في مشاركة الأفكار المختلفة في جميع مجالات الحياة.
وفضلا عن الترابط الاجتماعي، فيمكن لهذه المواقع أن تساعد بشكل كبير في مناقشة قضايا الصحة النفسية كالاكتئاب والقلق والاضطرابات النفسية الأخرى،
لأنها تجعل الناس أكثر دراية بالقضايا النفسية وما هي أعراضها وطرق علاجها.
وتسمح مواقع التواصل الاجتماعي بالوصول لمراكز خدمات الصحة النفسية بكل سهولة،
على مدار اليوم وفي أي وقت، مع الأخذ في الاعتبار أن المعلومات التي يتم تداولها على هذه المنصات، تعد قيمة وقاعدة كبيرة لدراسات الصحة النفسية.
إذن هل تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على الصحة النفسية يحدث بشكل إيجابي فقط؟
أم هناك دراسات أخرى تتحدث عن طريقة استخدام هذه المواقع تبعا للأغراض الشخصية؟
ظهرت سلبية تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على الصحة النفسية بوضوح من خلال رصد أفعال الناس ومحاولة تجسيد حياتهم الشخصية بشكل مثالي جدا،
إلى درجة تجعل المرء لا يستطيع أن يستمتع بتلك اللحظة الحقيقية التي يحاول جاهدا أن يوثقها قبل الاستمتاع بها.
كما أن هذه المواقع أصبحت، بؤرة للأخبار المحلية والعالمية، فأصبح العالم كله يعرف أدق تفاصيل الأخبار اليومية بما لها من سلبيات وإيجابيات تؤثر تباعا على المزاج النفسي للفرد،
لذلك كثرة الأخبار السيئة والمزعجة التي تظهر يوميا تساعد على زيادة معدل القلق والتوتر والاكتئاب.
بل وأظهرت الدراسات أيضا، أن استخدام الهواتف الذكية والتعرض للإضاءة مباشرة قبل النوم،
يقلل من إفراز مادة الميلاتونين التي تسبب الشعور بالتعب والنعاس،
وبالتالي تؤخر الغفوة وتجعلها أكثر صعوبة، مما قد يسبب اضطرابات النوم والأحلام المزعجة.
في ظل هذه الآراء المتناقضة، كيف نجد تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على الصحة النفسية؟!
تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على العلاقات الاجتماعية
خلال تلك البحوث ونتائجها المتباينة، أقر الإنسان بشكل عام أنه من يملك نتائج استخدامه واستهلاكه لما يمتلكه،
باستطاعته تجميل كل شيء يراه أو يستخدمه، فهو قادر على تجميل الزمان أو المكان، وهو قادر أيضا على إفساده وضياعه.
كذلك الحال بالنسبة لمواقع التواصل الاجتماعي، يستطيع المرء أن يوجهه فقط لكيفية استثمارة بالنفع والمعلومات المفيدة ومشاركة الأفكار البنّاءة،
مثل تقليل عدد ساعات الاستخدام والابتعاد عن السلبيات ومقارنة النفس بالآخرين والانشغال بتسجيل لحظات التواصل الاجتماعي قبل الاستمتاع بها.
وخلافا للأمراض النفسية التي قد تحدث لأسباب عضوية،
يستطيع المرء حماية نفسه وتحسين صحته النفسية بممارسة السعادة والحياة الإيجابية.
المصادر
https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC4183915/