اكتشاف القدرة على التكيف الجيني للغوص تحت الماء في البشر

تمكنت دراسة جديدة -ولأول مرة- من التعرف على السبب الوراثي وراء قدرة البشر على الغوص لمسافات بعيدة، حيث أشارت الأدلة إلى أن (قبائل الباجاو الإندونيسية) يمتلكون “طحالاً” أضخم من الحجم الطبيعي، وهو ما مكنهم من الغوص إلى أعماق تصل إلى 70 متراً تحت سطح البحر.

اكتشاف القدرة على التكيف الجيني للغوص تحت الماء في البشر

لقد سبق الافتراض بأن الطحال يلعب دوراً هاماً في تمكين البشر من الغوص الحر لفترات طويلة؛ ولكن العلاقة بين حجم الطحال والقدرة على الغوص لم يسبق فحصها جينياً في البشر.

يمكن أن يكون لنتائج هذه الدراسة آثارًا طبية هامة فيما يتعلق بحالات نقص الأكسجين الحادة، والتي يمكن أن تسبب مضاعفات خطيرة في مجال طب الطوارئ والحالات الحرجة؛ وقد تم نشر النتائج في مجلة (Cell) للأبحاث العلمية.

تقول ميليسا إيلاردو -أول مؤلفة لتلك الدراسة-: “لا توجد لدينا معلومات كثيرة عن الطحال البشري من حيث كيفية القيام بوظيفته أو من الناحية الوراثية، ولكننا نعلم أن الفقمات البحرية القادرة على الغوص العميق -مثل فقمة ويديل- تمتلك طحالاً كبيراً بشكل لا يتناسب مع حجم أجسامها”.
وتضيف إيلاردو: “لقد اعتقدت أنه طالما ارتبط وجود الطحال الكبير بقدرة الفقمات البحرية على الغوص عميقاً، فربما يمكن لكبر الطحال أن يقوم بالأمر ذاته لدى البشر”.

يلعب الطحال دورًا مركزيًا في إطالة وقت الغوص الحر، وذلك لأنه يشارك فيما يُعرف بـ “استجابة الإنسان للغوص”. فعندما يكون جسم الإنسان مغمورًا تحت الماء البارد حتى ولو لفترة زمنية قصيرة، يتم تشغيل هذه الاستجابة لمساعدة الجسم على البقاء في بيئة محرومة من الأكسجين؛ فيتباطأ معدل ضربات القلب، وتتقلص الأوعية الدموية في الأطراف لكي يتوفر الدم للأعضاء الحيوية بالجسم، وينقبض الطحال.

كما يعمل انقباض الطحال على ضخ دفعة من الأكسجين إلى الدم عن طريق إخراج خلايا الدم الحمراء المؤكسجة الموجودة بداخله، وقد وُجد أن انقباض الطحال يرفع مستوى الأكسجين بمقدار 9%، وبالتالي إطالة وقت الغوص.

من أجل الحصول على أدلة لهذه الدراسة، قضت ميليسا إيلاردو عدة أشهر في جزيرة جايا بإندونيسيا، حيث أخذت عينات جينية وأجرت فحوصات بالموجات فوق الصوتية على الطحال لكل من سكان الجزيرة (الباجاو) وغيرهم من المناطق البعيدة عن البحر، مثل منطقة سالوان.

وبعد مقارنة النتائج في جامعة كوبنهاجن، ظهر بوضوح أن الباجاو كانوا يمتلكون طحالاً أكبر بنسبة 50% مقارنةً بسكان سالوان.
ومن المثير أن الطحال الكبير كان موجوداً أيضاً لدى غير الغواصين من الباجاو، وكذلك الذين اعتادوا الغوص بانتظام منهم.

تقول ميليسا ايلاردو: “نعتقد أن الباجاو لديهم تكيفاً وراثياً يؤدي إلى زيادة مستويات هرمون الغدة الدرقية، وبالتالي زيادة حجم الطحال”.

وتضيف: “لقد تبين في الفئران أن هرمونات الغدة الدرقية وحجم الطحال متصلان؛ فإذا قمت بتعديل الفئران وراثياً لكي يختفي لديها هرمون الغدة الدرقية، فسوف تجد أن حجم طحالها يقل بشكل كبير، ولكن هذا الانخفاض يكون قابلاً للانعكاس اذا تلقت الفئران الهرمون عن طريق الحقن”.

إن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها دراسة التكيف الجيني للغوص لدى البشر، ولكن تلك الدراسة تفيدنا أيضاً بشكل كبير في مجال البحوث الطبية، حيث أن عملية الغوص تحاكي بشكل كبير حالة نقص الأكسجين الحاد التي يعاني الجسم فيها من الاستنزاف السريع للأكسجين، وهو ما جعل الربط بين استجابة الجسم للغوص ونقص الأكسجين مادة هامة للبحوث العلمية، حيث قد يتسبب نقص الأكسجين في حدوث مضاعفات طبية خطيرة.

دكتور أحمد الحسيني

طبيب متخصص في مجال طب وجراحة العيون- مستشفيات جامعة المنصورة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى