هل ممارسة الرياضة تؤذي المفاصل؟
إن التهاب المفاصل مرض شائع يمكنه أن يتسبب في تدمير الغضاريف المكونة للمفاصل ومن ثم تآكل العظام، فضلا عن أنه يؤدي الى التهاب و تمزق الأوتار والأربطة.
وقد لاحظ الأطباء الأمريكيون أن هناك زيادة كبيرة في إصابة مفصل الركبة على وجه التحديد بمرض التهاب المفاصل، و لاحظوا أيضا أن ذلك يحدث بنسبة أكبر في كل من كبار السن، و الأشخاص الذين يعانون من زيادة في الوزن.
وتقول دراسة نشرت في مجلة PNAS أن هذه الملاحظات بعيدة عن الحقيقة، حيث أنه على الرغم من خفض الوزن و تصحيح مؤشر الكتلة الجسدية والعمر، إلا أن نسبة حدوث هشاشة العظام والتهاب المفاصل في الركبة في الوقت الحالي تمثل الضعف عما كانت عليه قبل عام 1950.
يقول دانيال ليبرمان -أستاذ علم الأحياء التطوري البشري في جامعة هارفارد والباحث المشارك في تلك الدراسة- مقارنا بين نسبة حدوث المرض الآن ومنذ أكثر من نصف قرن: ” إن هذا الفارق لا يصدق! “.
وقد بدأ ليبرمان يتساءل عن حقيقة مرض التهاب المفاصل قبل بضع سنوات، وذلك لأنه كان يقوم بعمل قائمة من الأمراض التي ظهرت حديثا بين البشر، و لم يكن الطب وقتها مستعد جيدا للتعامل معها، مثل أمراض القلب وآلام أسفل الظهر وقصر النظر.
يقول: “كنت أرغب في إدراج التهاب المفاصل في القائمة، ولكني أدركت أنه لم يكن هناك وقتها أي بيانات جيدة عنه” .
لذا طلب ليبرمان من إيان والاس، وهو باحث أبحاث ما بعد الدكتوراه في مختبره، أن يتجول في جميع أنحاء البلاد و يقوم بدراسة الهياكل العظمية البشرية التي انتهى بها المطاف في المتاحف، أو تم التبرع بها إلى كليات الطب للبحث العلمي. وقد كانت بعض تلك الهياكل العظمية تخص أُناساً ماتوا منذ 4000 عام قبل الميلاد.
يقول والاس: “كانت أقدم العينات التي نظرنا إليها هي بعض الهياكل العظمية التي كانت تعود إلى عصور ما قبل التاريخ، وكانت تخص صيادين ينتمون إلى حضارة الإنكا، أما أحدثها عمرا فكان بقايا ممن ماتوا في تينيسي في عام 2015” .
إن الحكمة التقليدية الشائعة فيما يخص التهاب مفصل الركبة هو أنه يحدث كنتيجة لحدوث استهلاك وتمزق المفصل نتيجة لكثر استخدامه، و في هذه الأيام نجده أكثر شيوعا بين كبار السن وأولئك الذين يعانون من زيادة الوزن، حيث أن هذا يضع أحمالا إضافية على تلك المفاصل.
يقول والاس: “لقد كنت أميل إلى صحة هذا الافتراض في أثناء أبحاثي، حيث توقعت أن يكون الناس في الماضي وخاصة في وقت مبكر من التاريخ، مثل الصيادين والمزارعين، قد أصيبوا بنسبة أعلى بكثير بأمراض هشاشة العظام والتهاب المفاصل أكثر مما نراه اليوم، حيث أنهم بالتأكيد كانوا يعتمدون على الركض و يجلسون القرفصاء، ويتعرضون لحوادث الالتواء، وغيرها من الأنشطة في الأيام ما قبل وجود السيارات و وسائل النقل، وكل هذا يؤدي إلى أن تبلى المفاصل بسرعة” .
ولكن كانت المفاجأة أن هذا ليس ما أظهرته الأدلة.
يقول والاس: “لقد فوجئت فعلا بأن هشاشة العظام هي أكثر شيوعا اليوم مما كانت عليه في الأمريكان منذ فترة طويلة” .
إن هذا الارتفاع في معدل الإصابة ظل متواجدا حتى بعد تصحيح العلماء للكتلة الجسمية والعمر، لذلك فإن هناك على ما يبدو سبب آخر يقود الى الزيادة في نسبة الاصابة بالتهاب المفاصل في الركبة. و لكن الدراسة الحالية لم تحدد لنا ما هو هذا السبب.
يقول ليبرمان: “أعتقد أن النشاط البدني له دور مهم في تفسير تلك النتائج، و ذلك لأن أحد التغيرات الكبيرة التي تميزنا بشكل خاص عن كل من سبقونا من البشر هي أننا نجلس في كل وقت، والأطفال يجلسون أيضا في كل وقت، و كل هذا قد يؤثر على كيفية تشكيل المفاصل لدينا و ما يصيبها في وقت الشيخوخة” .
يقول الدكتور ريتشارد لويزر طبيب الروماتيزم، و مدير مركز أبحاث ثورستون لالتهاب المفاصل في جامعة نورث كارولينا: “إن المفاصل ليست مثل إطارات السيارات الخاصة بك، التي تبلى كلما أكثرت استخدامها، ولكنها في الواقع تكون أكثر صحة كلما زادت ممارستك للتمارين الرياضية، حيث أنها تساعد المواد الغذائية أن تنتشر بداخل غضروف الركبة مما يجعلها أكثر قوة وصحة” .
و لكن هذا لا يعني بالضرورة أن التمارين الرياضية هي السبب الوحيد الذي يفسر تماما النتائج التي حصل عليها باحثو جامعة هارفارد.
يقول لويزر: “قد تكون هناك عوامل غذائية تتحكم في تلك النتائج، كما أن الإصابات الرياضية قد أصبحت أكثر وأكثر شيوعا في أيامنا تلك، وهي قد تسهم في التهاب المفاصل أيضا” .
كما يحاول ليبرمان وزملاؤه معرفة الأسباب التي تقف وراء تلك المشكلة بدقة، حيث انهم يأملون أن تكون الغالبية من تلك المسببات قد يمكن الوقاية منها، وبالتالي تفادي حدوث أي اضرار بالمفاصل.