دراسة: زيادة معدلات استهلاك المضادات الحيوية عالميًا
تعد مشكلة البكتريا المقاومة للمضادات الحيوية من المشكلات الطبية الخطيرة التي تهددنا في الوقت الحالي وفي المستقبل القريب، ويعد الاستخدام المفرط للمضادات الحيوية أحد الأسباب الرئيسية لهذه المشكلة.
وقد أدى هذا الارتفاع الكبير في استخدام المضادات الحيوية عالميا إلى دعوة خبراء الصحة العامة إلى تبني استراتيجيات جديدة لكبح الاستخدام المفرط للأدوية، ولخلق استثمارات جديدة نحو توفير المياه النظيفة والصرف الصحي واللقاحات في البلدان التي تنتشر فيها الأمراض المعدية.
ويعتبر الاستخدام غير المقيد للمضادات الحيوية هو المحرك الرئيسي لارتفاع حالات العدوى المقاومة للأدوية، والتي تقتل أكثر من نصف مليون شخص سنوياً في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك 50000 في أوروبا والولايات المتحدة. وقد يؤدي ذلك _ما لم نتحرك للقضاء عليه_ إلى وفاة ملايين الأشخاص سنوياً بحلول عام 2050، وفقاً لتقرير صدر عام 2014 عن ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء السابق.
وعلى الرغم من الجهود المبذولة لتشجيع استخدام المضادات الحيوية بشكل أكثر حكمة، فقد وجد فريق دولي من الباحثين زيادة بنسبة 65٪ في استهلاك المضادات الحيوية في جميع أنحاء العالم في الفترة من عام 2000 إلى عام 2015. وقد كان هذا الارتفاع الحاد الذي ظهر في أرقام المبيعات من 76 دولة ينبع وبشكل شبه كامل تقريبًا من الاستخدام المتزايد في الدول الفقيرة.
يقول إيلي كلاين _مؤلف في الدراسة: “لقد شهدنا زيادة كبيرة في استخدام المضادات الحيوية على الصعيد العالمي، وهذا في الغالب بسبب النمو الاقتصادي في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط، حيث يعني ذلك أن لديهم قدرة أكبر على الحصول على الأدوية”.
“وفي حين أن ذلك يبدو من الأمور الإيجابية عمومًا، إلا أن هناك احتمالية حدوث مشكلات خطيرة في المستقبل القريب نتيجة الاستخدام المفرط. فنحن نعلم أن هناك العديد من حالات الاستخدام غير الصحيح لها في البلدان ذات الدخل المرتفع، وأن العديد من البلدان منخفضة الدخل لا تمتلك نفس الضوابط المعمول بها في البلدان ذات الدخل المرتفع، لذا فنحن نتوقع معدلات مرتفعة جدا من الاستخدام الخاطئ”
وفي الشهر الماضي، ذكرت مجلة الصحة العامة البريطانية أن ما لا يقل عن خُمس المضادات الحيوية التي وصفها الأطباء في إنجلترا للسعال والتهاب الحلق لم تكن ضرورية.
إن الخطر الذي تشكله العدوى المقاومة للمضادات الحيوية خطير للغاية لدرجة أن كبير المسؤولين الطبيين في إنجلترا _السيدة سالي ديفيز_ أضافت مقاومة الميكروبات للمضادات لسجل المملكة المتحدة الوطني لحالات الطوارئ المدنية، وحذرت قبل خمس سنوات من “سيناريو نهاية العالم” حيث يموت الناس من الأمراض الشائعة والعمليات البسيطة لأن المضادات الحيوية لم تعد تعمل.
وقد وجدت الدراسة الأخيرة التي نشرت في مجلة PNAS، أنه في الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط، قد ارتفع عدد “الجرعات اليومية المحددة” لكل 1000 شخص بنسبة 77٪ من 7.6 إلى 13.5 على مدار الـ 16 عامًا التي تمت دراستها، مقارنة بالدول الغنية التي انخفضت فيها معدلات الاستهلاك بنسبة متواضعة 4 ٪ ، إلى 25.7 جرعة لكل 1000 شخص.
يقول التقرير أن ما يثير القلق بشكل خاص هو الارتفاع الحاد في الاستخدام العالمي للمضادات الحيوية التي تصنف كملاذ أخير، مثل الكولستين (colistin)، وهو عقار أعيد إدخاله على الرغم من أنه تم التخلي عنه بالكامل في السبعينيات بسبب سُميته. وقد استخدم الكوليستين لعلاج الالتهابات التي لا يمكن علاجها بأدوية أخرى، ولكن في العقد الماضي انتشرت البكتيريا ذات الجينات المقاومة للكوليستين حول العالم بعد ظهورها في خنزير صيني في منتصف العقد الأول من القرن الحالي.
وينتقد كلاين الاستجابة العالمية لهذه الأزمة الخطيرة ويصفها بأنها “بطيئة وغير كافية”. كما يدعو إلى “إعادة تفكير جذري” في السياسات للحد من استهلاك المضادات الحيوية ، والدعوة إلى استثمارات كبيرة لتعزيز النظافة، والصرف الصحي.
وإلى جانب إمدادات المياه النظيفة، يقول كلاين: “إن برامج التطعيم يمكن أن تساعد أيضا في كبح استخدام المضادات الحيوية المفرط، وبالتالي الإصابة بالعدوى المقاومة للعقاقير. وفي حين أن المضادات الحيوية ليست فعالة ضد الفيروسات، فإن اللقاحات التي تحمي ضد الأنفلونزا والفيروسات التي تسبب مرض الإسهال من شأنها أن تقلل من عدد الأشخاص الذين يستخدمون المضادات الحيوية دون داع.”
وأضاف كلاين: “إن نظامنا الطبي الحديث مبني على مضادات حيوية فعالة؛ فإذا توقفت المضادات الحيوية عن العمل فسينهار النظام الصحي بأكمله.”