العلماء يكتشفون علاقة غير متوقعة بين مرض السل ومرض باركنسون
للوهلة الأولى، قد ننظر لمرض السل ومرض باركنسون كنوعين من الأمراض المختلفة كليًا، لكن دراسة جديدة _نشرت في مجلة The EMBO_ توصلت لوجود علاقة مهمة بين الاثنين.
يرجع هذا الارتباط إلى وجود بروتين يسمى الكيناز المتكرر الغني بالليسين (LRRK2)، والذي قد يساعدنا ليس فقط في تطوير علاجات جديدة لكلا المرضين، ولكنه قد يساهم في توضيح العلاقة الرئيسية بين الدماغ ونظامنا المناعي.
يعد
مرض باركنسون اضطراب عصبي تنكسي، يتطور نتيجة موت الخلايا العصبية في الدماغ، مما يحرم نسيج الدماغ من ناقل عصبي رئيسي يسمى الدوبامين.
وحتى الآن فإن سبب موت هذه الخلايا في بعض الأفراد يعتبر لغزًا غامضًا، على الرغم من أن عددًا متزايدًا من العلامات يشير بأصابع الاتهام إلى وجود نظام مناعي مرتبك.
ولعل اكتشاف الباحثين للعلاقة بين طفرات الجين المسئول عن بروتين (LRRK2) وتطور مرض الشلل الرعاش (باركنسون)، سيساعدنا بالفعل في تطوير فئة جديدة من العلاجات.
وقد شرحت الأبحاث التي قادها فريق من معهد فرانسيس كريك وجامعة نيوكاسل في المملكة المتحدة الآن كيفية تداخل عمل بروتين (LRRK2) مع إحدى العمليات التي تستخدمها خلايا الدم البيضاء لقتل البكتيريا، ومن بينها بكتيريا السل (TB) _تلك العدوى التي تسببها البكتيريا المتفطرة السلية داخل أنسجة الرئة.
في معظم الحالات، تقوم أجسامنا بالتعامل بشكل جيد إلى حد ما مع العدوى عن طريق إرسال خلايا دم بيضاء تسمى الخلايا البلعمية – macrophages، حيث تبتلع الميكروبات وتخزنها داخل فقاعات تسمى اليَبْلُوع (phagosomes).
وبمجرد احتجاز الجراثيم داخل هذه الأماكن بأمان، يتم إفراز مجموعة من الإنزيمات الهاضمة للبكتيريا، مما يؤدي إلى قتل البكتريا.
وقد أشارت الدراسات الواسعة للجينوم البشري إلى نوع ما من العلاقة بين الالتهاب الناجم عن البكتيريا المتفطرة _بما فيها السل والجذام_ والجين LRRK2.
لكن كانت التفاصيل هي الحلقة المفقودة .. كيف يرتبط الجين المتصل بمرض باركنسون مع الطريقة التي تتعامل بها خلايا الدم البيضاء مع البكتيريا المتفطرة؟
للحصول على فكرة أفضل عما يحدث على المستوى الخلوي، طور الفريق عدة تجارب كشفت السر الكامن وراء هذه العلاقة، تبين من خلالها أن جين LRRK2 ينظم عملية تربط بين الخلايا البلعمية وفقاعات الموت داخلها، مما يمنعها من الالتحام.
ولا يقتصر هذا الاكتشاف على تسليط الضوء على كيفية الإصابة بمرض السل والجذام، ولكن يمكن أن يفسر أيضا لماذا تتراكم بروتينات معينة داخل الخلايا العصبية.
تقول إحدى مؤلفي التقرير، سوزان هيربست من معهد فرانسيس كريك: “نحن نعتقد أن هذه الآلية قد تلعب دورها أيضًا في مرض باركنسون، حيث تتراكم كتل غير طبيعية من البروتين تسمى” أجسام ليوي – Lewy bodies”في الخلايا العصبية في الدماغ وتتسبب في حدوث أضرار”.
وقد تؤدي هذه النتائج إلى طرق جديدة للتعامل مع مرض باركنسون، بما في ذلك التفكير فيه من وجهة نظر علم المناعة.
يقول عالم الكيمياء الحيوية باتريك لويس من جامعة ريدينغ: “إن تفكيرنا في مرض باركنسون يتركز على نحو شبه حصري على ما يحدث للعصبونات في الدماغ، لكن هذه الدراسة ترشدنا لأهمية التفكير بشكل أوسع حول الأحداث التي قد تسبب التنكس العصبي، وأن بعض الأجوبة لمرض باركنسون قد تأتي من علم المناعة”.
ونظرًا لأن مجتمعنا العالمي يتجه نحو المزيد من الشيخوخة، بما تحمله من المزيد من الأمراض العصبية التنكسية مثل مرض باركنسون؛ فإننا سنحتاج إلى كل أشكال المساعدة التي يمكننا الحصول عليها للتغلب على مثل هذه الأمراض.
أما بالنسبة للسل، فقد ظهرت في السنوات الأخيرة سلالات من البكتريا المتفطرة السلية TB المقاومة لواحد أو أكثر من الأدوية المستخدمة عادة لعلاجها. وهذا قد يؤدي إلى عودة ظهور هذا المرض الفتاك، وهو ما قد يصعب السيطرة عليه دون وجود فئات جديدة من الأدوية.
إن معرفة المزيد عن نقاط الضعف المحتملة في نظامنا المناعي أمر بالغ الأهمية، مما يجعل الأبحاث التي تربط بين هذه الأمراض المتباينة أكثر قيمة.